منتديات لغاتى التعليمية

منتديات لغاتى التعليمية (http://www.loghaty.com/vb3/index.php)
-   قسم الشعر والشعراء (http://www.loghaty.com/vb3/forumdisplay.php?f=182)
-   -   الجِسْر/محمد الحلوي (http://www.loghaty.com/vb3/showthread.php?t=34206)

Nabil 12-09-2010 05:01 PM

الجِسْر/محمد الحلوي
 
الجِسْر

الأستاذ الشاعر: محمد الحلوي


» عُيُونُ المَهَا بَينَ الرصَافَةِ والجِسرِ* بَعثنَ الهَوَى من حَيثُ أدْرِي ولاَ أَدْرِي !«
رَعَى اللهُ أزمَاناً بِبَغْدَادَ أينَعَت * رَبِيعِيّة الأنسَامِ طَيِّبَةَ النّشرِ!
قَطَفنَا بهَا أحْلَى الأمَانِي شَهِيّةً * وريحُ أمَانِينَا كمَا نشْتَهِي تَجْرِي
أصَائلهَا فِي الجِسرِ سِحرٌ وروعَةٌ * وأَصبَاحُهَا فِي النَّهْرِ سُكرٌ بِلاَ خَمر!
مَضَت مثلَ أطْيَافِ المنَامِ سرِيعَةً * فَغَابَ بِهَا مَا كَانَ مِن طَيِّبِ العُمْرِ!
مَواكِبُ مَجدٍ زَاهِيَاتٌ وَعِزّةٌ * عُرُوبِيَّةٌ قَد قَاومَت نُوَبَ الدّهر!
وَهَارُونُ فِيهَا في جَلاَلَةِ مُلكِهِ * يُعَانِقُهُ نَصرٌ ويَمْضِي إِلَى نَصرِ!
يَشِيدُ ويَبْنِي للعُرُوبَةِ دَولَةً * تُحلقُ في أُفقِ الحضَارَةِ كالنَّسْرِ!
مَجالسُهُ فِيهَا ريَاضٌ نَضِيرَةٌ * بَلاَبِلُهَا تشدُو بِمَا لَذَّ مِن شِعرِ!
تَغَنَّى بِهَا زِريَابُ أحْلى لحُونِهِ * ورَدَّدَ فِيه الموصليّ صَدى قُمرِي!
زَمَانٌ. وُجُوهُ العُربِ فِيه وَضِيئةٌ * وَهَامَاتُها مَرفُوعةٌ وهيَ في الصَّدْرِ!
مَنَاهِلُهَا يَرتَادُهَا كل ظَامِئٍ * وَمَوْلِدُهَا فِي ظُلْمَةِ الجَهْلِ كالفَجْرِ!
وَمَا ضَرَّهَا أن يَنزلَ الغَيثُ نَائِياً * وَكُلّ كُنُوزِ الأرضِ تُجبَى إلَى المِصرِ!
تَبَاهَى بِهَا الإسلامُ واعتَزّ أهلهُ * وأبقَت لهَا الأيامُ متّصلَ الذّكرِ!
سَلاَمٌ عَلَى بَغدادَ وَهيَ جَرِيحَةٌ * تُعَانِي ويَشْكُو مُجهَدُوهَا مِنَ الأسرِ!
وأَطفَالهَا تحتَ الرّكَامِ صَرِيعَةٌ * بِنِيرَانِ »بُوشٍ« وهيَ أندَى مِنَ الزَّهرِ!
ولَهفَى عَلَى مَجدٍ تَهَاوَت صُرُوحُه * ومَورُوثِ فكرٍ دَمَّرَتهُ يَدُ الشَّرِّ!
وكيفَ سَيَحمِي الفِكرَ من كُلُّ هَمِّهِ * حِمَايَةُ مَا يَجنِيهِ مِن ثَرْوةِ البِئْرِ!
أَبَادَ هُلاكُو قَبلهُ ثَرَوَاتِها * ولما تَزَل بَغدَادُ منتَجَعَ الفِكْرِ!
ولَو عَادَ للدّنيا ابنُ جَهمٍ لَمّا رأَى * عُيُونَ مَهَاةٍ في الأصَائِلِ بِالجِسرِ!
وسَوفَ يَرَى فِيهَا خَراباً وَمَأْتماً * ومَبكىً على مَن شَيعُوهم إلى القَبْرِ!
ومَا مِن مُقَامٍ فِي العِرَاقِ لِغَاصِبٍ * وَلَو أنهُ بَيتٌ يُقَامُ عَلَى شِبرِ!
ليمتَصَّ مِنه قوتَه ورخَاءَهُ * ويُبقِيَهُ ذَيلاً تَبِيعاً وفي فَقَرِ!
ويحكمَ فِيهِ سَيداً مُتَواضِعاً * ولكنَّهُ مَنْ تَعلمونَ أبُو الأمرِ!
وَعارٌ عِنَاقٌ واحتِفَالٌ بِقَاتِلٍ * يُكَرّمُ مِنكُم بالورُودِ وبالزَّهرِ!
وهَذِي ضَحَايَاهُ يُقِضُّ أَنِينُهَا * وَهَذِي دِمَاكم لَم تَجِفّ علَى النَّهرِ!
وَفِي كلِّ عَينٍ مَصرَعٌ وَمَآتمٌ * وَفِي كل قَلبٍ حَسرَةٌ هِيَ كالجمرِ!
وفِي كُلِّ بَيتٍ زَفرَةٌ وتَنهّدٌ * يُذيبُ أسَاهَا كل قَلبٍ مِنَ الصَّخْرِ!
أهَانَت دِمَاءُ العرب فهيَ رَخيصةٌ * أتُنسَى ولاَ شَهمٌ يَهبّ إلى ثأرِ!؟
ومَاذَا أَرَى؟ هَل نَحنُ مِن نَسلِ يعربٍ * وهَل بَعدَ هَذَا مَا يُبَشِّرُ بالخَير!؟
سَلاَمٌ علَى الزّوراءِ قمةِ يَعرُبِ * سَلامٌ عَلَى أيَّامِ أمجادِهَا الغُر!
أنبكيكِ؟ أم نبكِي مُصِيبَةَ أمةٍ * إذَا هزِمَت لَم تلقَ خيراً منَ الصبر؟
تَعَوَّدتِ الإيلامَ لا يَستفزُّهَ * مُصَابٌ وَلاَ تصحُو بطبلٍ ولا زَمْر!
وتَنسَى ومَا كالنِّسي دَاءٌ لأمةٍ * تمرُّ معَ الأحدَاثِ فِيهَا على الإثرِ!
وَمَا عَيبُها فِي الغَرب يَهدمُ قصرَهَا * ولكِنهُ يَا قَومُ فِي سَاكنِ القَصرِ!
عَسَى المركبُ الهَيمَانُ يُرسِي بمرفَإ * وَيُنقذُهُ الملاّح مِن لَعنةِ البَحرِ!
وَيَنجَابُ عَهدٌ طَوقَ الكون رُعبُه * ويَهوي بِهِ المستَكبِرونَ إلى القَعرِ!
ويَبسمُ وَجهُ الدَّهرِ بَعدَ عبُوسِهِ * وتخفِقُ فِي بَغْدَادَ ألويةُ النّصرِ!
عَهِدتُ القَوافِي في سوَاكِ عَصِيَّةً * تجيبُ وَلَكِن فِي عِنَادٍ وَفِي كِبرِ!
ولما نكِبنَا فيكِ هبّت مُطِيعةً * لِتَصنعَ مِن حُزنِي مآتِم للشعرِ!
ومَاذَا عَسى تجدِي المآتِم أمةً * إِذَا ضَيّعت أمجادهَا وَهيَ لا تَدْرِي!

عن مجلة التاريخ


الساعة الآن 06:10 AM بتوقيت مسقط

Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
:: جميع الحقوق محفوظة لمنتديات لغاتى التعليمية ::