منتديات لغاتى التعليمية

منتديات لغاتى التعليمية (http://www.loghaty.com/vb3/index.php)
-   منتدى اللغة العربية (http://www.loghaty.com/vb3/forumdisplay.php?f=36)
-   -   مصادر الثقافة العربية ومقوماتها وخصائصها (http://www.loghaty.com/vb3/showthread.php?t=9910)

ahmed_mido 10-12-2008 08:38 PM

مصادر الثقافة العربية ومقوماتها وخصائصها
 
مصادر الثقافة العربية ومقوماتها وخصائصها
القطعية، وما جاءت عبد العزيز بن عثمان التويجري
تتسم الثقافة العربية الإسلامية أساساً بسمتين : سمة الثبوت فيما يتعلق بالمصادر به من عقائد وتشريعات وقيم ومناهج، وسمة التغيير فيما يتعلق باجتهادات المسلمين وإبداعاتهم القابلة للصواب والخطأ، وبالتالي الاختلاف، فالجانب القطعيُّ في الثقافة العربية الإسلامية يتسم بما يتسم به الإسلام من خصائص بصفته ديناً ومنهجاً للحياة. وتتجّلى هذه الخصائص في : العالمية، والشمولية، والوَسَطِية، والواقعية، والموضوعية، والتنوّع في الوحدة.

ومصادر الثقافة العربية الإسلامية هي القرآن الكريم والسنة النبوية باعتبارهما المعين الأساس للعلوم الإسلامية واللغة العربية، والمرجعَ الذي يهتدي به المسلم في بحثه عن الحقائق في مجالات المعرفة والوجود والقيم، وفي ما يتعلّق بالفكر والواقع والنظر والسلوك.

والقرآن الكريم يُعتبر المصدر الأساس للثقافة العربية الإسلامية بفضل ما ورد فيه من تعاليم دينية وأخلاقية واجتماعية، ولكونه صالحاً لكل زمان ومكان ومسايراً لمتطلبات كل عصر ومستجداته.

وتشكّل السنة النبوية المصدر الثاني الأساس للثقافة العربية الإسلامية. وكما اعتمد المسلمون في نهضتهم الفكرية والعلمية والحضارية على القرآن ودعوته، اعتمدوا كذلك على سنة نبيّهم بعد أن جمعوها ودوّنوها وفصَّلوا أبوابها، واستثمروها في جهودهم العلمية ومناهجهم المعيشية. وبذلك تكون الثقافة العربية الإسلامية المنطلقة أساساً من القرآن والسنة، ثقافةً متفتحةً، داعية إلى التعايش والحوار والتفاهم.

ويُستنتج من هذا كلّه أن الثقافة العربية الإسلامية تختلف عن الثقافات الأخرى في أن مقوّمات كلٍّ منها تختلف عن الأخرى؛ فالثقافة العربية الإسلامية إسلامية المصدر، تستمدّ كيانها من القرآن الكريم والسنة النبوية واللغة العربية، واجتهادات العلماء، بينما نجد الثقافة الغربية على وجه الإجمال، تستمدّ مصادرها من الفكر اليوناني، والقانون الروماني، واللغة اللاتينية، وتفسيرات المسيحية التي وصلتها.

ولقد وَازَنَت الثقافة العربية الإسلامية بين جوانب العقل، وجوانب الوجدان، ورفضت إعلاء المعتزلة للعقل، وإعلاء الصوفية للوجدان، وحافظت على المفهوم المتكامل الجامع. كذلك فقد حرصت الثقافة العربية الإسلامية على ارتباطها بالمصدر الأول من القرآن والسنة على مدى مراحلها. ولم يقع الانفصام بين الجانبين في الثقافة العربية والإسلامية، إلاَّ في هذا العصر، وهذا الانفصام هو أحد عوامل ضعفها اليوم.

والثقافة العربية الإسلامية عربيةٌ في لغتها، إسلاميةٌ في جذورها، إنسانيةٌ في أهدافها، وهي، شأن كل ثقافة، تتكوّن من مقوماتٍ أساسٍ : فكرية وروحية، أهمُّها العقيدة، وهي الإسلام، واللغة العربية وآدابها والتاريخ والتراث ووحدة العقلية والمزاج النفسي. وقد تأكّد أنه لا يمكن لأية ثقافة من الثقافات أن تنمو، إلاَّ إذا كانت ذات صلة بدين من الأديان، فالدينُ هو الذي يُكسب الحياةَ الاجتماعية معناها، ويمدّها بالإطار الذي تصوغ فيه اتجاهاتها وآمالها.

واللغة العربية مقوِّمٌ أساسٌ من مقوّمات الثقافة العربية الإسلامية، ذلك أن العربية ليست لغة أداة فحسب، ولكنها لغة فكر أساساً. وحتى الشعوب والأمم التي انضوت تحت لواء الإسلام، وإن كانت احتفظت بلغاتها الوطنية، فإنها اتخذت من اللغة العربية وسيلةً للارتقاء الثقافي والفكري، وأدخلت الحروف العربية إلى لغاتها فصارت تكتب بها.

ومن أقوى مقوّمات الثقافة العربية الإسلامية الإيمانُ بالأمة، والثقة فيها. وهذا الإيمان لابد أن يستمدّ قوته من الإيمان باللَّه، لأن الإيمان باللَّه هو الأصل، وهو الينبوع الذي ينبغي أن تُبنى عليه العقيدة، ومن أوجه هذه العقيدة أن يؤمن الإنسان بأمته، وأن يؤمن العربيُّ والمسلم بأن أمته خير أمة أخرجت للناس. والإيمان في الإسلام، كما في الأديان السماوية ـ التي جاء بها الرسل ـ قد دعا إلى المحبة والإخاء، وهو في الإسلام بصفة خاصة، يعلّم المساواة بين الناس، والعطاء قبل الأخذ. ولذلك فإن التربية الدينية يجب أن تكون أساساً للثقافة العربية الإسلامية.

والثقافة العربية الإسلامية ليست مجردة، فنحن لا نكتفي فيها بالبحث عن أصول الأشياء ولا عن حقائقها وحدها، ولا نبحث فيها بحثاً مجرّداً، لأن الثقافة جزء من الإنسان، فإذا كان العقل يغذّيها، فإنها لا تنبع من العقل وحده، وإنما تنبع في النفس البشرية، وتنبع في الأحاسيس وتنبع في الذوق، وتنبع أكثر من ذلك في الوجدان. بل هي أيضاً تتصل بالجانب الأساس الذي ميَّز اللَّه به الإنسان عن الحيوان، ألا وهو الضمير. إن الثقافة تتصل بالضمير، والضميرُ أعمق وأروع من العقل.

والضمير الإسلامي هو منبع الثقافة العربية الإسلامية. ولذلك فهي ثقافة الوجدان الإنساني.

والثقافة العربية، هي ثقافة الأمة العربية، التي هي أمة الإسلام الذي منه اكتسبت صبغتَها، وحملت صفتَها، واستمدّت طبيعتَها. فلم يكن لهذه الأمة كيانٌ قائم الذّات قبل الإسلام، وإنما كانت قبائل وعشائر لا تجمعها عقيدة، ولا يوحّدها إيمانٌ برسالة سماوية. حتى إذا بعث اللَّه رسوله محمّداً # بالإسلام، كان هذا الدينُ هو الرسالةَ الخالدة للعرب.

ولئن كانت الثقافة العربية إسلاميةَ الروح سماويةَ الرسالة، فإنها مع ذلك ثقافة استوعبت كلَّ الأمم والشعوب التي انضوت تحت لواء الأمة العربية الإسلامية، ووَسِعَتِ كلَّ الثقافات التي تعايشت معها، فصارت بذلك ثقافةَ العرب المسلمين، وثقافةَ العرب النصارى واليهود، وثقافةَ كل أهل الأديان وطوائف الملل والنحل التي اندمجت في الكيان العربي الإسلامي، وعاشت في ظلّ الدولة العربية الإسلامية عبر الأزمنة والعصور.

إن انتشار الثقافة العربية الإسلامية في مختلف البلاد التي دخلها الإسلام، جعل كثيراً من معالم الثقافات المحلية القائمة تتكيَّف مع مقوّمات الثقافة العربية الإسلامية؛ فأصبحت الطقوس والتقاليد والأعراف تنسجم في غالب الأحيان مع ثوابت الثقافة العربية الإسلامية، حتى ولو اختلفت فيما بينها في الممارسة والتطبيق، على أن هذا الاختلاف لا يصل إلى مجال العقائد والقيم والمقاصد، كما هو الشأن مع الثقافات غير الإسلامية القديمة والحديثة.

وبذلك تكون أهمّ خاصية تتميّز بها الثقافة العربية، أنها امتزجت بالثقافات الأخرى التي كانت سائدةً في عهود الإسلام الأولى، وتفتَّحت لعطاء الأجناس والأقوام وأهل الديانات والعقائد التي تعايشت مع المجتمع العربي الإسلامي، فصارت بذلك ثقافةً غنيةَ المحتوى، متعدّدةَ الروافد، متنوعةَ المصادر، ولكنها ذات روح واحدة، وهويّة متميّزة متفرّدة.

كذلك فإن من أهمّ خصائص الثقافة العربية الإسلامية الانفتاحَ علي الثقافات الشرقية والغربية، مع المحافظة على الأصول الثابتة من دون تجاوزها. وقد واجهت الثقافة العربية الإسلامية عديداً من التحديات في تاريخها الطويل، وهي تحديات المذاهب الفلسفية والأديان والدعوات المختلفة التي كان يزخر بها العالم إبّان بعث الإسلام، من بوذيّة، ومجوسية، ووثنية، وهِّلينية، وهندية، وفارسية، وقد تحولت هذه المذاهب والفلسفات إلى قوى غازية، وحاولت جميعُها إثارة الشبهات وتحريف القيم الأساس، والإضرار بالأمة والدولة العربية الإسلامية والفكر جميعاً. ولكن الثقافة العربية الإسلامية انتصرت على هذه التحديات في الماضي بفضل مقوّماتها الصلبة وخصائصها المتفرّدة.

ولقد أكْسَبَ هذا الامتزاجُ والتلاقحُ الثقافةَ العربيةَ الإسلامية ثراءً وغِنَى، وقوّةً ومناعة، وهي خاصيةٌ فريدة وميزةٌ تكاد أن تكون فريدة في التاريخ الثقافي الإنساني. ويأتي مصدرُ هذا التنوّع الذي يطبع الثقافة العربية الإسلامية من طبيعة المبادئ التي تقوم عليها والمستمدّة أساساً من جوهر الرسالة الإسلامية التي من خصائصها الترغيبُ في طلب العلم، والحثُّ على النظر والتفكير، والحضُّ على التماس الحكمة من أي وعاء أو مصدر كانت، والدعوةُ إلى التعارف بين الأمم والشعوب بما يقتضيه ذلك من تقارب بكل معانيه، إلى جانب النهي عن الإكراه في الدين، وهو المبدأ القرآني الذي يمكن أن يكون قاعدةً للتعايش الثقافي والفكري في إطار وحدة الأصل الإنساني، وهو المبدأ الأصيل الذي يختزل كلَّ معاني حرية الفكر التي هي نقيض فوضى الفكر المؤدّية، وبصورةٍ تلقائية، إلى بؤس الفكر المُفضي بدوره إلى بؤس الثقافة.

* عن بحث بعنوان "الثقافة العربية والثقافات الاخرى"
للدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري، المدير العام للمنظمة الاسلامية للتربية والعلوم والثقافة.
http://www.eqraa.com/html/modules.ph...article&sid=33


الساعة الآن 02:41 PM بتوقيت مسقط

Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
:: جميع الحقوق محفوظة لمنتديات لغاتى التعليمية ::